اقتصاد في شهادة مثيرة: مقاول يكشف أحد أسباب تعطل التنمية في البلاد
مثّلت البيروقراطيّة ومنذ الأزل العائق الأساسيّ لتقدّم الشعوب. فهي من الأسباب التّي تعطّل الاستثمار وإنجاز مشاريع التنمية المبرمجة خاصّة في مجال الأشغال العامّة، مثل انجاز الطرقات وبناء المنشآت وتهيئة المناطق الصناعيّة...الخ. البيروقراطيّة نفسها التّي تهدّد شركات المقاولات ببلادنا، وتبطئ إنجاز المشاريع بها. وكثيرة تلك الحالات، خاصّة التّي تكون فيها البنوك العموميّة من بين الأطراف المتدخّلة.
حالة الشركة التونسيّة للأشغال، من بين الحالات الكثيرة، حتّى أنّها أصبحت مسلسلا مطوّلا ومعقّدا وتصيب متابعها بالضجر. يحدّثنا محمّد الشاهد صاحب الشركة، متحصّل على شهادة مهندس في الهندسة المدنيّة وقبلها شهادة الدراسات العليا للدراسات التكنولوجية في نفس الاختصاص، وعمل في بعض شركات المقاولات قبل يفتح شركته الخاصّة منذ سنوات، ويعتبر من خيرة الشباب الناشطين في المجال.
يقول" بدأت الشركة في العمل والتطوّر ومعها تطوّر رقم أعمالها بفضل مجهودي والعاملين معي والسمعة والمصداقيّة التّي حظيت بها على مدى سنوات، حتّى صارت تشغّل قرابة 250 عاملا و25 إطارا. وواصلت الشركة في استقرارها إلى حدود أواخر سنة 2013، وفي التعهّد بالتزاماتها تجاه الدولة ومشاريع التنمية المبرمجة في الجهات.
يتابع محدّثنا: "مثلما هو معلوم، تمرّ الصفقات العموميّة عبر اجراءات خاصّة. أوّلها التقديم على طلب العروض الخاصّ بالمشروع. بعد الحصول على العرض، تتحصّل الشركة على الضمان الوقتي من البنك قبل البدء في التنفيذ. يقوم البنك بإقراض الشركة المال اللاّزم للمشروع، وبعد انهائه وخلاص المؤسسة الحكوميّة العارضة للمشروع، يقوم البنك باستخلاص أمواله.
في سنة 2013 تمّ اقرار اجراء عمليّات تدقيق لكافّة البنوك العموميّة. وتمّ الغاء ما معمول به من السماح لشركات المقاولات بأخذ أموال عبر السحب على المكشوف أو ما يعبّر عنه ب"Rouge". أفضت عمليّات التدقيق إلى منع هذا الاجراء، وبذلك اعادة كافة الحسابات إلى الصفر. وكانت الشركة التونسيّة للأشغال من بين ضحاياه. ما أدّى إلى مقاضاته من طرف عديد المزوّدين وشركات الايجار المالي بقضايا شيكات دون رصيد، ما أضطرّه لبيع جميع ما يملك، ووالده أيضا، حتّى يوفي ديونه. وبالفعل وبشقّ الأنفس استؤنف العمل أواخر سنة 2013 و2014 ورجعت الشركة إلى سالف نشاطها.
يضيف السيّد محمّد الشاهد"في أواخر سنة 2015، فازت الشركة بلاث صفقات كبرى: 1-تهيئة مسلك ريفي طوله 10 كم بجندوبة تابع لادارة الجسور والطرقات بوزارة التجهيز، 2- بناء مركّب رياضي في الكاف تابع لوزارة الشباب والرياضة، 3- بناء وحدة صناعيّة بالكاف تابعة لوكالة التهذيب العمراني. وكما جرت العادة قمت بكافة الاجراءات آنفة الذكر.
وحصلت على الضمان الوقتي لكافّة المشاريع من البنك القومي الفلاحي قصد تمويل الصفقة، وبدأت فعلا الأشغال وتقدّم انجاز المشاريع بنسبة كبيرة. ما جعلني أطلب من البنك مدّي بوثيقة الضمان النهائي، كي أنهي المشاريع والتسريع بخلاصي، مع العلم أنّ الادارات المعنيّة تشهد على جودة المشاريع التّي قمت بها وكانت مطابقة للمواصفات الفنيّة المدرجة في كرّاس الشروط. لكن، اعترضتني مشكلة أخرى أعمق وأخطر.
بعد اجراءات التدقيق قرّرت السلطات التونسيّة تعويض الرئيس المدير العام للبنك بمجلس إدارة يشرف على تسيير البنك، وكانت تلك الطامّة الكبرى. بالفعل، قرار كان مثل مخدّر شلّ المعاملات البنكيّة مع شركات المقاولات. فرغم تحصّلي على الضمان الوقتي من نفس البنك فإن بطء المعاملات عطّلني على الحصول على الوثيقة، على امتداد ثمانية أشهر.
ما زاد الطين بلّة، أنّني قابلت اعضاء مجلس الادارة فردا فردا -ولا أريد ذكر أسماءهم حتّى لا يعتبر هذا من باب التشهير- ودون استثناء وفوجئت بأمرين: أوّلها جهلهم التام بالموضوع وبالإجراءات وثانيها عدم قدرتهم على حلّ المشكلة بالرغم من أنّهم معيّنون وأصحاب قرار ويقرّرون سياسة المؤسّسة. وهذا ما أثار استغرابي عمّا يجري في البنوك العموميّة.
لذلك كلّه، شركتي وعائلتي مهدّدة بالافلاس. يقول محدّثي" لأنّنّي غير قادر على استكمال المشاريع دونما ضمان نهائي من البنك، وثانيها لا يمكنني أن أسترجع أموالي لأنّ الادارات التّي تقام المشاريع لفائدتها لا تستكمل خلاص المشروع إلاّ بعد تنفيذه. وبقيت بذلك بين مطرقة البنك وسندان الادارات المعنيّة، هذا إضافة إلى تشريد عملة وإطارات الشركة وأطفالي معهم." هذا إضافة طبعا إلى أنّ هذه المشاريع تساهم في حلّ بعض من مشاكل التنمية بالجهات المستهدفة.
هذه الحالة، كغيرها، تبيّن سبب تعطّل مشاريع التنمية بالبلاد وسوء الخدمات. وليست أيضا متعلّقة برئيس حكومة يرحل وآخر يجيء. تكمن المشكلة أساسا في التساؤل حول من يتّخذ القرار في هذا البلد، ومن يمكنه حلّ مشكلة مفتعلة وكان بالامكان فضّها منذ البدء. محمّد الشاهد، يطلب من رئيس الحكومة أن ينظر في هذه المعظلة لأنّ يؤكد محدّثي أنّه استنفذ كلّ الحلول والتقى كلّ من لهم علاقة بالموضوع من قريب أو من بعيد، ولكن لم يجد آذانا صاغية.
رغم إيمانه أنّ رئيس الحكومة الحالي قادر على انقاذه وانقاذ حالات أخرى مشابهة مع البنوك العموميّة ريثما تتمّ إعادة مراجعة طريقة تسييرها. ونقول في الأخير "لك اللّه يا تونس"..
شوقي البرنوصي